الخطاب المنبري بين الواقع والطموح

4٬270

أقام منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف ندوة حوارية حول “المنبر الحسيني بين الواقع والطموح” مساء الثلاثاء 23 صفر 1425هـ الموافق 13 ابريل 2004م شارك فيها مجموعة من الخطباء والعلماء والمثقفين، وأدار الندوة الكاتب المعروف الأستاذ محمد المحفوظ حيث بدأ راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب بمقدمة حول فكرة الندوة مشيرا إلى أهمية المنبر الحسيني في المجتمع وإلى الحاجة الماسة لتقويم دوره وتطويره وهي مسؤولية مشتركة بين الخطباء والمثقفين من أبناء المجتمع، ومرحبا بالجميع لتداولهم هذا الموضوع المهم بكل شفافية ووضوح وموضوعية.

تحدث بعد ذلك الخطيب الشيخ عبد الودود أبو زيد بمداخلة عن دور المنبر الحسيني في المجتمع، وتأثيره الوجداني على قطاعات واسعة من هؤلاء الأفراد بسبب الانشداد الطبيعي له وقدرته على المزج بين العاطفة والعقل، وكونه مركزا ثقافيا مفتوحا للجميع، ونوه إلى أهمية مثل هذه الملتقيات لتبادل الرأي والاستماع لمشاركات الجميع، وخاصة من ناحية تقويم الخطاب المنبري في موسم المحرم المنصرم، وأشار إلى التأثيرات الكبيرة التي يتركها المنبر الحسيني على المجتمع بصورة تفوق وسائل الإعلام الجماهيرية الأخرى. ولذا، وجب الدعم والتواصل مع النخب المثقفة لتطوير الخطاب المنبري، وأشار في حديثه إلى بعض الدراسات الأكاديمية في هذا المجال، ومنها رسالة الدكتوراه للشيخ باقر المقدسي بعنوان “دور المنبر الحسيني في الحياة الإسلامية”، والتي خلص إلى أن هنالك تأثير كبير للمنبر على صعيد ثقافة المجتمع العامة، وطالب مختلف الفئات الاجتماعية إلى التفاعل الجاد لدعوة النقد والتطوير لمسيرة المنبر الحسيني بحيث يكون ملامسا لحاجات المجتمع بصورة أكبر.

كما جرت عدة مداخلات وتعقيبات من الحضور بدأها الأستاذ محمد السنان بحديثه عن تكلس الخطاب المنبري وضعف تطوره خلال السنوات الماضية، داعيا إلى تناول قضية الإمام الحسين بصورة إيجابية كي تكون دافعا لتبني القيم التي دافع عنها الإمام الحسين في ثورته عبر تسليط الأضواء على التحليل السياسي لحركته، وانتقد اهتمام الخطباء بالجانب المأساوي لهذه الحركة، كما أشار الأستاذ باقر الشماسي إلى تحول المنبر الحسيني إلى حرفة بدلا من كونه رسالة، وأنه تنازل عن رساليته الهادفة لنشر الوعي إلى مستويات متدنية تتلاقى مع العقلية الشعبية التقليدية، مطالبا أن يتحول المنبر إلى عامل توحيد بين الفئات الإسلامية المختلفة وداعيا إلى عقد لقاءات تنسيقية بين الخطباء لتوحيد خطابهم المنبري وتطويره.

ثم علق الأستاذ أثير السادة طارحا سؤالا مهما حول فهم واقعة عاشوراء عبر إعادة قراءتها لتقرأ رساليا في تفسير دوافع وأهداف الإمام الحسين بدلا من الاقتصار على قراءتها كملحمة، والسعي إلى إيجاد منهجية جديدة لتقديم هذا الموضوع، ثم أشار إلى العلاقة بين الخطيب وموقع الخطابة (الحسينيات) التي قد تفرض شروطها وملامحها الخاصة على الخطيب مما قد تقيد حريته في الحديث، ونادى إلى تأسيس علاقة أكثر واقعية بين المنبر والمجتمع والاستجابة لمتطلبات الواقع.

وتحدث الأستاذ زكي أبو السعود في مداخلته حول البعد الإعلامي للمنبر الحسيني الذي يتأثر بالظرف الاجتماعي والسياسي، مؤكدا أن المنبر يخلق حالة تفاعلية مع مختلف فئات المجتمع بما في ذلك الجانب النسوي ومطالبا بتفعيل دور المنبر الحسيني عبر القرب من القضايا الاجتماعية والانفتاح على مختلف الطوائف الأخرى بطرح أفكار إبداعية في هذا المجال مستشهدا بمشروع التبرع بالدم في موسم المحرم والذي يخدم مختلف أبناء المجتمع بما في ذلك الوافدين.

وعقب الأستاذ حسين القريش مؤكدا أن رسالة المنبر لا تقتصر على موسم المحرم فقط بل طوال أيام السنة، داعيا إلى تجاوز الشخصانية في الخطاب الحسيني وتنقيح المنقولات التاريخية ومراجعتها. ودعا الأستاذ ذاكر آل حبيل إلى تطوير آلية الخطاب وفن الإلقاء وضرورة التثبت من كثير من الأحداث التاريخية قبل طرحها عبر التواصل مع مراكز الأبحاث والدراسات التي تعنى بهذا المجال، وأكد أيضا على أهمية تحديد الهدف من الخطاب المنبري حتى يمكن أن يؤدي الغرض منه بصورة دقيقة.

وأشار الأستاذ حسن المصطفى في مداخلته إلى أهمية التعاون بين الخطباء والمثقفين، بهدف تطوير المنبر بدلا من إطلاق التهم المتبادلة بين الطرفين، وعبر عن تصوره لتقليدية الخطاب الديني وانعكاسه السلبي على الوعي العام للمتلقين، واستنكر إعادة صياغة الخطاب المتخلف عبر صناعة التخلف بآليات جديدة، والهروب من الحديث الصريح حول القضايا المعاصرة. كما تحدث الأستاذ علي الدبيسي عن ضرورة الاهتمام بتطوير الأداء الفني للمنبر للوقوف أمام تسرب المتلقين لوسائل إعلامية أخرى، مؤكدا على ضرورة استيعاب التطورات الفكرية والسياسية القائمة بهدف التعبير عنها بصورة وافية وربطها بالقيم التي دافع عنها الإمام الحسين.

وشارك في الندوة الشيخ مرتضى الباشا متحدثا عن الفرصة المتاحة أمام المنبر الحسيني لوجود قنوات إعلامية منافسة عديدة وأن تأثيره قد قل كثيرا عما كان في الماضي، ودافع عن الوضع الحالي للمنبر واستمرار الصبغة البكائية وتكرار بعض المواضيع لإيصالها للجميع بمختلف مستوياتهم، وأكد على أهمية التأكيد على بعض المرتكزات التي تشكل أساسا مذهبيا وعدم التفريط بها، منوها بالدعوة إلى تشكيل تجمع للخطباء من أجل التنسيق بينهم.

كما أشار الأستاذ عبد الله العبد الباقي داعيا إلى تطوير رسالة المنبر بسبب كثرة المنافسة الإعلامية، وتطور المستوى الثقافي للمجتمع، ومنبها إلى مراجعة تأثير هذه الرسالة على حاجات المجتمع السياسية من ناحية الانفتاح الاجتماعي، والتعايش السلمي، والحريات العامة، وتجنب الروايات الغير محققة، وإعادة قراءة الأحداث التاريخية بصورة أكثر نضجا وموضوعية.

وأشار الأستاذ زكي الميلاد في حديثه إلى وجود مدرستين في المنبر الحسيني وهي مدرسة تقليدية تدعو إلى إبعاد المنبر عن المستجدات وإبقائه مقتصرا على أغراضه التقليدية وهي استعراض واقعة كربلاء بكل ما ورد فيها من قضايا. وهناك مدرسة تجديدية سعت لإدخال التنوير في مؤسسة المنبر، مشيرا إلى الحاجة إلى المدرستين في آن واحد لتعميق الحالة الدينية. ونبه إلى أن المدرسة العراقية هي الوحيدة المسيطرة على الخطاب المنبري في العالم الشيعي، ولم تظهر مدارس أخرى لحد الآن، وأن المنبر كبقية المؤسسات الثقافية يواجه تحديات ومقاومة من أجل التحديث والتطوير فيه، وأن السعي لتطويره هو هم قائم في مختلف المواقع الشيعية، وأكد في مداخلته على ميزات المنبر الحسيني الايجابية ومنها القرب من الجمهور والقدرة على الحشد، وطبيعة التأثير الوجداني للمنبر، والمحافظة على حرية التعبير عن المعتقد.

وأشار الأستاذ السيد حسن العوامي إلى المصاعب التي يواجهها الخطيب، ومن بينها الضغوط الاجتماعية كمراعاة الجمهور وإرضائه والقائمين على المجالس، وكذلك عدم مشاركة المثقفين في الحضور، وضعف التفاعل مع الخطباء، مشيرا إلى التطور الملحوظ الذي حققه المنبر الحسيني خلال الثلاثين عاما الماضية، ومذكرا بجهوده في تقديم بعض المقترحات المكتوبة سنويا إلى الخطباء في مواسم المحرم، وأكد الشيخ مصطفى الموسى على نفس القضايا المطروحة وخاصة الضغوط التي يعرض لها الخطيب، كما تحدث السيد حيدر العوامي عن تجربته في إقامة لقاءات مع مجموعة من المثقفين الذين يساعدونه في تداول الآراء المناسبة لأحاديثه المنبرية وخاصة في المناسبات الدينية، معاتبا المثقفين على قلة تفاعلهم ومشاركتهم الخطباء بالآراء والأفكار.

وفي ختام اللقاء، أثنى الحضور على حالة التوافق والطرح الموضوعي لهذه القضية، وأشار الشيخ عبد الودود ابو زيد إلى ضرورة تكرار مثل هذه اللقاءات قبل المناسبات الدينية، حيث يقوم الخطباء بالتحضير لمحاضرات المواسم، كما طالب أن تكون المقترحات أكثر عملية.

 

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

التغطية الإعلامية

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد