السريحي تناقش دور الأدب في أنسنة الأماكن

298

بينت أستاذة الأدب والنقد بجامعة الملك عبد العزيز الدكتورة صلوح السريحي بأن تاريخ مكة المكرمة يمتاز بتغليب الحقائق مقابل شياع الحكايات والأساطير في تاريخ المدن والمناطق المجاورة كجدة والطائف وما حولهما من المواقع الأثرية والتراثية. جاء ذلك ضمن محاضرتها التي ألقتها في منتدى الثلاثاء الثقافي مساء الثلاثاء بتاريخ 6 شعبان 1444هـ الموافق 27 فبراير 2023م بحضور جمع من الأدباء والمؤرخين تحت عنوان “المكان في لأدب العربي: مكة المكرمة أنموذجا” وأدارتها الأديبة رباب آل إسماعيل.

وبدأ اللقاء بكلمة ترحيبية من عضو المنتدى الأستاذ علي الفسيل حيا فيها الحضور وضيوف الندوة، وقدم مجموعة من الفقرات الثقافية المصاحبة بدأت بعرض فيلم قصير بمناسبة اليوم العالمي لانعدام التمييز. وتلى ذلك كلمة لمصممة الجرافيك الأستاذة تماضر العلي التي عرضت مجموعة كبيرة من الصور حول قصة نبي الله يوسف مجسدة الحالات النفسية التي ترافقها، وتحدثت عن تجربتها ومسيرتها في التصميم وعن محتويات معرضها الفني. واستعرض بعد ذلك الأستاذ أحمد ال قريش بطل مسابقة أكاديمية mbc في فئة الدوبلاج لعام 22-23، متحدثا حول مسيرته في التعليق الصوتي ومشاركاته في عدد من المسابقات الاحترافية، وتم تكريمه في الندوة بحضور لفيف من أسرته وأصدقائه. كما استعرض الأستاذ حسن ال ثنيان كتابه “يسألونك عن الأسرار” معرجا على تجربته في الكتابة التأملية والتحولات التي مر بها، ووقع كتابه في ختام الندوة.

قدمت مدير الندوة الأستاذة رباب آل إسماعيل بالحديث عن موقعية المكان في الأدب بشكل عام وفي الأدب العربي بشكل خاص، وكونه أحد المؤثرات ومنابع التأمل في الكتابة المؤنسنة التي تستكشف مختلف أبعاد المكان المنظورة وغير المنظورة ومن بينها ما ينسج من حكايات وأساطير، وأشادت بالجهد الأدبي الجاد الذي تقوم به الدكتورة صلوح السريحي في استنطاق الأماكن من خلال مشروعها التوثيقي. وعرفت المحاضرة بأنها حاصلة على درجة الدكتوراة في الادب العربي من كلية التربية للبنات بجدة، وتعمل حاليا أستاذ الأدب والنقد بجامعة الملك عبد العزيز، وصدر لها خمسة كتب أدبية، والعديد من الأبحاث المحكمة، كما شاركت في عدة ملتقيات داخل وخارج المملكة، كما عملت منسقة النشاط الاجتماعي والفعاليات الثقافية، ومستشار مركز التميز البحثي في اللغة العربية وجمعية الثقافة والفنون بجدة. وشغلت السريحي عضوية مؤتمرات ومجالس علمية من بينها اللجنة العلمية لمؤتمر ومعرض خدمات الحج والعمرة، مجلس أمناء أكاديمية الشعر العربي، كما اشرفت على مجموعة عدة رسائل علمية، ومبادرة توثيق الأدب العربي للأماكن الدينية والتراثية في المملكة ومبادرة حفظ المخطوطات رقميا.

بينت الدكتورة السريحي في بداية كلمتها العلاقة بين الأدب والمكان مؤكدة على أن هناك تداخل كبير بينهما، حيث يلعب الأدب دورا مهما في أنسنة الأماكن واضفاء حالة من الحركية والحيوية لها من خلال ما يكتبه الأدباء والشعراء من وصف للمكان وتاريخه وتعلقهم له، وما يدور حوله من حكايات وأساطير. وأشارت إلى أن مُبَادَرَة تَوْثِيقِ الْأدَبِ الْعَرَبِيِّ لِلَأَمَاكِنِّ الدِّينِيَّةِ وَالتُّرَاثِيَّةِ فِي مِنْطَقَةِ مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ تَسْعَى إِلَى الرَّبْطِ بَيْنَ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْمَكَانِ رَقْميًّا ووَرُقِيًّا؛ بغيَّةَ خِدْمَةِ لُغَةِ الْقُرْآنِ الكريمِ مِنْ جَانِبٍ، وَخِدْمَةِ الْأدَبِ الْعَرَبِيِّ كونه حَامِلًا لِتُرَاثِ الْأُمَّةِ وَمُوَثّقًا لِتَارِيخِهَا مِنْ جَانِبٍ آخَر. وأوضحت أن الْأَمَاكِن فِي منْطقَةِ مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ تمتاز بِالْعُمْقِ التَّارِيخِيِّ وَالطَّابع التُّرَاثِيِّ مَعَ ثَرَاءٍ وَتَنَوُّعٍ في الطَّبِيعَةِ الْجُغْرَافِيَّةِ، مشيرة إلى أن هذه الأماكن قد ذُكرَتْ فِي الْأدَبِ الْعَرَبِيِّ شِعْرِهُ وَنَثْرِهُ، حيث أنها توجد حَاضِرَةً وَمُوَثّقَةً فِي الشِّعْرِ وَالْقَصَصِ وَالْحِكَايَاتِ، ومَاثِلَةً فِي دَوَاوينِ الشُّعرَاءِ، وَكُتُبِ الْأدَبِ وَالسّيْرِ وَالرّحلَاتِ وَالْمَعَاجِمِ حَتَّى أَصْبَحَتْ هَذِهِ الْكُتُب مُتْحفًا يَضُمُّ اِسْمَ الْمَكَانِ وَتَارِيخَه وَإرثَه الْحَضَاَرِيّ قديمه وَحَديثَه.

وأضافت أن الْمُبَادَرَةُ توقفت عَلَى الْأَمَاكِنِ الدِّينِيَّةِ وَالتُّرَاثِيَّةِ الْمَوْجُودَةِ فِي كُلٍّ مِنْ مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ، وَجِدَّة، وَالطَّائِفِ، مُوَثّقَةً مِنَ الْأَمَاكِنِ مَا وَجَدَتْ لَهُ نَصًّا أدَبِيًّا فَقَطْ، مُتَجَاوِزَةً عَمَّا لَمْ يعثر لَهُ عَلَى أثَرٍ أدَبِيٍّ، مضيفة أن المبادرة تجمع بَيْنَ سِحرِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَبَلَاغَتِهَا وَفَصَاحَتِهَا، وَبَيْنَ عرَاقَةِ الْأَمَاكِنِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأدَبِ الْعَرَبِيِّ؛ لِيُصْبِحَ كُلٌّ مِنْهُمَا- الْمَكَان وَالْأدَب – شَاهِدًا وَمُوَثِّقًا لِلْأَخَر، وَوِعَاءً ثَقَافِيًّا، وَمَعرفيًّا مُرْتَبِطًا بِالسِّيَاحَةِ وَالتُّرَاثِ، كَمَا تَجْمَعُ الْمُبَادَرَةُ بَيْنَ الْأدَبِ وَالتَّارِيخِ، وَالتّقْنِيَّةِ وَفَنِّ التَّصْوِيرِ، وهي بذلكَ كلِّهِ تمثلُ أرْضًا خصْبَةً لِدِرَاسَةٍ بَيْنِيَّةٍ. وأشارت إلى أن المبادرة توصلت إلى ثَلاثة وستين مَوضِعًا، مُوثّقَة بثَمانٍ وأربَعِين صورة وثَلاثة فيديوهات: منها 32 موقعا في مكة المكرمة، 27 موقعا في مدينة جدة، 24 موقعا في الطائف. وقالت بأن المبادرة سوف تُوَاصِلُ سَعيهَا فِي تَكْمِلَةِ بَقِيَّةِ مُدُنِ مُحَافَظَةِ مَكَّة الْمُكَرَّمَة، لِمَا تَزْخَرُ بِهِ مَنْ إرِثٍ حَضارِيٍّ وثَقَافيٍّ عريقٍ، ثُمَّ تَنْطَلِقُ لِرَصْدِ بَقِيَّةِ الْأَمَاكِنِ فِي جَمِيعِ مُحَافَظَاتِ الْمَمْلَكَةِ، كما سَيَتِمُّ تَصْمِيمُ خَارِطَةٍ إلكترونيةٍ لِلْمَمْلكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ لتَوْزِيعِ الْأَمَاكِنِ الدِّينِيَّةِ وَالتُّرَاثِيَّةِ عَلَيْهَا، وَعِنْدَ الْإشَارَة عَلَى الْمَكَانِ تُفْتَحُ مُنْسَدِلَة تَحْوِي جَمِيع الْمَعْلُومَاتِ وَالنُّصُوصِ الْأدَبِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ عَنِ الْمَكَانِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ.

وتنقلت المحاضرة في حديثها لاستعراض أبرز ما ورد في الأدب العربي شعرا ونثرا وحكاية حول المدن الثلاث مكة المكرمة وجدة والطائف، مركز على ذكر تاريخ مكة المكرمة باعتبارها مركزا دينيا وفِيهَا أَقدسُ مَكَانٍ لِلْمُسْلِمِينَ – الْمَسْجِد الْحَرَام – الْكَعْبَةُ، وَأَمَاكِنَ أُخْرَى تَتَعَلَّقُ بِالشَّعَائِرِ الدِّينِيَّةِ، مشيرة إلى أنها تَقَعُ فِي بَطْنِ وَادٍ ضَيِّقٍ طَوِيلٍ، مِنْ أودِيَّةِ جِبَالِ السَّرَاةِ، غَيْرِ ذِي زَرْعٍ، يُسَمِّيهِ الْمَكِّيُّونَ: (وَادي إبراهيم)، ويَمْتَدُّ عَلَى شَكْلِ هلَالٍ يَمِيل إِلَى الْاِسْتِطَالَةِ؛ حَيْثُ يَتَّجِهُ جَانِبَاهُ نَحْوَ سُفُوحِ جَبَلِ قُعَيْقُعَانَ غَرْبًا، وَجَبَلِ (أَبي قُبيس) شَرْقًا، وَمِنْ مَحَلَّةِ الْمَعَابِدَةِ طُولًا إِلَى مَحَلَّةِ الْمسفلةِ جَنُوبًا، وتُحِيطُ بِهِ الْجِبَالُ وَالتِّلَالُ الْجَرْدَاءُ وَالصُّخُورُ الصّلْبَةُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ؛ لِتُشَكِّل حَوْلَ مَكَّةَ وَكَعْبَتِهَا دَائِرَة. وعددت أبرز المعالم والمواقع الدينية والتراثية فيها كالمسجد الحرام وما يحتويه من مواقع كالكعبة والحجر الأسود ومقام إبراهيم وحجر إسماعيل، وبئر زمزم والصفا والمروة، متناولة ما ورد حول كل موقع من هذه المواقع من روايات في الأدب العربي قبل وبعد الإسلام.

واستعرضت الدكتورة السريحي في جزء من حديثها معالم مدينتي جدة والطائف ومصادر أسمائهما، وما كتب حولهما من حكايات وأساطير، وما تعلق بأذهان عموم الناس عنهما وخاصة في المواقع التي حملت معها قدسية ذهنية جعلت الكثير من الناس تتشكل لديهم اعتقادات مبنية على هذه التصورات وتحولت الى سلوكيات اجتماعية. وأنهت حديثها بالإشارة إلى أن الأسطورة ترتبط بالواقع وتكون قريبة منه، وأنها تتوارث بين الأجيال وتنتقل من بيئة لأخرى بصور مختلف، في حين أن الحكاية تكون خاصة بمكان محدد، وأشارت إلى أن الأنسنة مفهوم حديث بينما اسقط الأدب على الأماكن والمواقع قديم.

وناقش الحضور في مداخلاتهم بعض الآراء التي طرحتها المحاضرة، فطرح الباحث عبد الرسول الغريافي موضوع اشتراك الانسان في نسج الأساطير بشكل عام حيث أنها متواجدة بصور مختلفة وأحيانا متقاربة في عدة مجتمعات إنسانية، وذكر بعض المواقع في محافظة القطيف التي تدزر حولها عدة أساطير تاريخية، مؤكدا على أن لها صلة بالواقع احيانا ومعظمها يحوم حول المجهول كالبحار والجبال. وتحدث الأستاذ علي الغراب عن مشاهداته لبعض المواقع الأثرية والتاريخية التي تحولت لمناطق جذب سياحي بسبب الشكل الذي تحولت له وما يدور حولها من أساطير قد لا تكون دقيقة.

وعلق الأستاذ عبد الله القديحي بالقول أن الاعتقاد بشيء ما أحيانا يقود إلى الاطمئنان بما ينتج عنه من نتائج إيجابية قد تكون صحية وتسبب في بدائل علاجية لحالات معينة، كالاعتقاد بالاستشفاء بماء زمزم أو غير ذلك. وتساءل الأستاذ مبارك الميلاد حول انطباعات المحاضرة عن زيارتها ومشاهداتها لمحافظة القطيف. وطرح الجيولوجي احمد العبكري في مداخلته الجوانب العلمية في تشكل بعض المواقع الجبلية والأودية التي قد تتشكل من سقوط نيازك تذوب في طبقات الجو وتحدث أحيانا حفرا وفوهات على سطح الأرض، مشيرا إلى أنه توجد في منطقة مكة المكرمة حرات ناتجة عن نزوحات بعض الطبقات الأرضية.

وتساءل الأستاذ فوزي الدهان في مداخلته عن مصدر نشوء فكرة التبرك ببعض الآثار لدى مختلف المجتمعات البشرية، واستذكر الأستاذ معتوق العلي بعض الأساطير المحلية الشعبية القديمة وما يستتبعها من أهازيج وسلوكيات. وعقب الأستاذ فريد النمر بالقول أن أنسنة الاماكن هو ما يبحث على تحويله لفاعل انساني موضحا أنها تتركز في ثلاث مواقع هي مسقط الرأس، ومكان العمل، ومكان التعبد، مشيرا إلى أن المكان يتوالد كما هو الحال لدى مختلف الشعوب.

 

لمشاهدة كافة الصور اضغط هنا

 

التغطية الإعلامية

 

لمشاهدة المحاضرة كاملة على اليوتيوب:

 

كلمة الفنانة تماضر العلي:

 

كلمة الكاتب الأستاذ حسن آل ثنيان:

 

كلمة الأستاذ أحمد آل قريش:

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد