ألقى الدكتور محمد علي الهرفي مساء الثلاثاء الموافق 9 شعبان 1423هـ محاضرة في منتدى الثلاثاء في القطيف تحت عنوان “كيف نحمي مجتمعنا؟” تميزت بحضور مكثف ونقاش مثير، وتحدث صاحب المنتدى الثقافي الأسبوعي في البداية الأستاذ جعفر الشايب مرحبا بالضيف المحاضر ومعرفا بأبرز ملامح أفكاره التي أجملها في الإنفتاح والجرأة والموضوعية ذاكرا أبرز انجازاته على الصعيد العلمي والإجتماعي.
وفي الندوة التي حضرها العديد من المثقفين وعلماء الدين والكتاب، تحدث الدكتور الهرفي عن المشاكل التي يمر بها المجتمع السعودي في هذه المرحلة من حملات إعلامية خارجية تهدد أسسه ومبادئه وضغوط مختلفة تحتاج كلها إلى وقفات تأمل وتحرك ايجابي وفاعل لمعالجة هذه المشاكل الحقيقية وحماية المجتمع من أضرارها، وأكد على أن الأعداء لم ولا يفرقون بين فئة اجتماعية دون غيرها أو مذهب دون غيره فالكل مستهدف والجميع في مركب واحد، وطرح الدكتور الهرفي – وهو خريج جامعة الإسكندرية ويعمل أستاذا في اللغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود بالأحساء – رؤاه المتناسقة حول قضايا التعدد وتكافؤ الفرص والعدل والحرية كأسس قامت عليها الحضارة الإسلامية مستشهدا بأمثلة دينية وتاريخية عديدة.
وأكد في حديثه على أن الإختلاف بين الناس في اللغات والعقائد والأفكار والعادات أمر طبيعي اقتضته إرادة الله وحكمته، وقارب بأمثلة من واقع المجتمع السعودي، وأشار إلى أن كل هذه الإختلافات يجب أن تستثمر وتفعل لبلورة حالة من التفاعل والإنسجام الحقيقي بين فئات المجتمع بحيث ينتج عن ذلك تمازجا وطنيا منسجما وفاعلا، ومع إدراكه لعدم استثمار هذا التنوع الطبيعي وتوجيهه الإتجاه السليم، انتقد الدكتور الهرفي في محاضرته جميع الأطراف الإجتماعية التي تساهم بشكل أو بآخر في أحداث شروخ في وحدة المجتمع وتماسكه على أسس مذهبية أو طائفية أو إقليمية، ولذا فقد أكد على ضرورة عدة أمور يمكن أن تساهم في حماية المجتمع ووحدنه من أبرزها:
- التعارف وتفعيل حالة الحوار بين مختلف الأطراف بوضوح وشفافية.
- احترام خصوصية جميع الأطراف وعدم الدخول في المهاترات الجانبية.
- تفعيل دور علماء الدين والمثقفين وتحملهم مسئولية حماية المجتمع.
- إعادة دراسة وتفكيك الموروث الثقافي والفكري الذي بني على أساس التحزب
وفتح الباب بعد ذلك للنقاش وأداره الأستاذ يوسف الحسن حيث ركز العديد من الحاضرين على ضرورة دراسة الواقع الإجتماعي وتداخلات الأبعاد الثقافية والسياسية والدينية لحالة التنازع المذهبي ومعالجتها بصورة شاملة وجادة، وناقش أحد الحاضرين مشكلة الفتاوي الدينية التي تبرز بين الحين والآخر والتي تثير قضايا مذهبية وطائفية لا طائل منها واقترح معالجة ذلك بتسليط الضوء على مشاكل المجتمع الحقيقية وليست المختلقة.
ولفت الانتباه تركيز عدد من المثقفين في القطيف في نقاشهم مع الدكتور الهرفي على ضرورة تعميق وتجذير ثقافة التنوع والتعايش داخل الوطن الواحد، كبديل حتمي وضروري لثقافة العزلة، ورفض الآخر، ودار ثمة نقاش حول مبدأ الأولوية في إيجاد قنوات وأطر التعايش الوطني، هل يبدأ من نقد الموروثات الفكرية والدينية وإعادة قراءة الكتب التراثية وكتب الحديث بشكل خاص، وتنقيحها من الشوائب التي لا تعكس حالة الإجماع العام للمسلمين، أو هي تحظى بإجماع على إسقاطها، كدعاوى تحريف القرآن الكريم، أو ما أشبه، وهو ما ذهب إليه الدكتور الهرفي، بينما طالب أكثر المتحدثين بأن تكون البداية على أرضية المصلحة الوطنية المشتركة، مع التشديد على ضرورة تنقيح كامل التراث الإسلامي كوسيلة للولوج للمستقبل برؤية أكثر قابلية للتمازج بين الفئات المختلفة.
وأبدى الحضور رغبة في بحث ضرورة الاعتراف بالتنوع والتعددية وإيجاد سبل لدراسة مستقبل التعايش السلمي، بعيداً عن التوترات والتحريض والتشويه المتبادل.
وقد نجحت الندوة في تبديد بعض الشكوك وسحب الدخان في العلاقة التي تحكم الفئات المختلفة داخل البلاد، وساهمت في إيجاد أرضية للتفاهم والحوار الداخلي، وقد شكر الحضور الدكتور الهرفي لمبادرته في القيام بمجموعة من الأعمال والكتابات الفكرية والصحفية التي تهدف لخلق مناخ للحوار بين أفراد الوطن الواحد.