تحت عنوان “الشورى ودورها في استقرار المجتمع” شارك الدكتور عبد الخالق آل عبد الحي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود بالرياض في منتدى الثلاثاء الثقافي ضمن برنامجه للموسم الثقافي الحالي والذي كان حافلا بالمواضيع المتنوعة، وقد قدم ضيف المنتدى الأستاذ أثير السادة الكاتب والناقد المسرحي الذي أشار إلى الأبحاث والدراسات التي قام بها المحاضر إضافة إلى أنشطته الإجتماعية والأكاديمية.
تناول المحاضر في كلمته موضوعة “الشورى” منطلقا من تعزيز مفهوم “نسبية المعرفة الإنسانية” التي يرى بأنها تضع حدا فاصلا بين المطلق المنتسب إلى الله والنسبي الذي يتصف به كل فعل أبناء البشر وأقوالهم، وتنفي بالتالي إمكانية استحالة أي قراءة بشرية للنصوص إلى نصوص مقدسة، فكل قراءة هي بالضرورة تحمل في ملامحها صورة الإنسان بضعفه ونسبية وعيه.
ويعتقد عبد الحي أن الاعتراف بهذه الحقيقة يجعل من شأن المشاركة والتشاور أمرا بديهيا في سيرة الإنسان، بل مطلبا ملحا لتجنب الاصطدام والقتال التي قد تنشأ من جراء الاختلاف، والشورى برأي عبد الحي تمثل أمرا أصيلا في الإسلام، باعتبارها السبيل الأمثل للوصول إلى الحرية والعدالة والمساواة، وقد أشارت إليها النصوص القرآنية والسيرة النبوية بكثير من الوضوح، وكانت هذه الفكرة بمثابة وعي سياسي مبكر، أدرك من خلالها الإسلام – على حد قوله – بأن احتكار القوة هو أساس كل خراب المجتمعات وعدم استقرارها، ويذهب عبد الحي إلى القول بعدم وجود مشاحة في الاصطلاح، فسواء كانت شورى أو ديمقراطية أو أي شيء آخر، المهم أن تكون هنالك وسائل لتفعيل المشاركة السياسية، فالإسلام – على حد قوله – لم يلزم المسلمين بآلية معينة وإنما هي مسألة تقررها المصلحة، وما يثار من خلاف بين العلمانيين والدينيين في هذا الجانب لا يمثل خلافا حقيقيا.
وفي جانب آخر من حديثه، تعرض الدكتور عبد الحي إلى التغييرات السياسية السريعة وما تقتضيه من ضرورة إحياء مفهوم المجتمع المدني وتجاوز مفهوم السلطة المركزية التي قد تساهم في تأزم الحالة السياسية، وهذا التجاوز يستلزم بالنتيجة قبولا بالتعددية ومأسسة السلطة والحرية والمساواة.
ويقترح عبد الحي اللامركزية والارتكاز على القاعدة الشعبية كمخرج من تداعيات المرحلة القائمة منبها إلى أهمية توافر المرونة السياسية للتعاطي مع الواقع وتحولاته، إضافة إلى رؤية فكرية ودينية جديدة، لا يكون فيها الحديث عن دولة دينية إذ أن ذلك من وجهة نظره حديث غير علمي وغير موضوعي، بل دولة تقوم على أسس دينية، مشيرا إلى وجود فوارق بين الرؤيتين.
وكان الحضور الكثيف في المنتدى قد ساهم في تسخين الحوار ودفعه إلى ذروته، حيث طاول المشاركون كثيرا من إشارات الدكتور عبد الخالق عبد الحي وآرائه المهمة، وعالجوا بمداخلاتهم جوانب كثيرة من الموضوع، حيث راجع الشيخ محمد الصفار والشيخ فيصل العوامي ما أثاره عبد الحي من تحفظات على مفهوم الدولة الدينية، وتساءل ميرزا الخويلدي عن أسباب هذه المفارقة بين ما نمتلكه من ارث فكري شوروي وما حفل به التاريخ الإسلامي من ممارسات استبدادية، في حين علق اسعد النمر على الصراع بين العلمانيين والدينيين في أبعاده الفكرية، واكتفى آخرون بالمطالبة في إيجاد آليات ووسائل لتفعيل ما يحمله الفكر الإسلامي من معان تعضد مفهوم المشاركة السياسية التي دعا إليها عبد الحي.
وقد أجاب الدكتور عبد الخالق على تساؤلات الحضور ومداخلاتهم، كما حضر اللقاء أيضا الدكتور أيمن حبيب نائب رئيس تحرير جريدة عكاظ وفريق من مراسلي الجريدة، إضافة إلى العديد من الإعلاميين والمثقفين والفاعليات الإجتماعية في المنطقة.