منتدى الثلاثاء يحتفي بالشعر في يومه العالمي

3٬954

في احتفالية زاهية جمعت نخبة من الكتاب والأدباء والمثقفين استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف مساء الثلاثاء 27/ ربيع الثاني 1433هـ الموافق 20/ مارس2012م ثلاثة من الشعراء؛ هم السيد عدنان العوامي من مدينة القطيف، الأستاذ مصطفى أبو الرز من دولة فلسطين، والأستاذ سعيد سفر من مدينة الباحة.

وقد قدم لهم مدير الندوة الشاعر ياسر الغريب في بداية الأمسية بالإشارة إلى أن الاحتفاء بالشعر في يومه العالمي لهو خلقُ إيقاعٍ داخل إيقاع الزمن، وفتحُ مخبوءٍ في الذات، هو تلوين الفراغات التي تختزل ما وراء الغد بلوحة تشكيلية، وهو أذان الكلمة المموسقة في آذان الأمكنة الوليدة؛ لتصبح خضراء العقيدة ودائمة الخصب والنماء فـ:

للشعرِ تاريخُ التنفسِ والجوَى  ‍حواءُ  يمتدُّ ما امتدتْ بنا الزفراتُ

يومَ توحمتْ شعرًا جرت  ‍ منْ قلبِ آدمَ دجلةٌ وفراتُ

بعد الترحيب بالشعراء شعرا، قدمهم الغريب على المنصة لتطارح الشعر في ثلاث جولات يتوالون فيها تباعا، وقد برزت ثيمة الوطن المسكون في هذه الجولة جليا؛ حيث بدأها السيد عدنان العوامي بتحية الأغاريد من دار خولة/ القطيف لزائرها؛ واصفا اياها بجميلة تطارحه الهوى بكل تفاصيلها المنتشية، فيقول في شأنها:

تميسُ ميسَ العذارَى شفَّها ولهٌ  ‍  وبرَّحتها صباباتٌ وتسهيدُ
وهزَّها العشقُ حتَّى صرتَ تحسبُها  ‍   سكرَى ولكنَّها منْ وجدِها ميدُ
مفتونةٌ بهوَى الغدرانِ مسهبَة  ‍ كأنَّ فوقَ ذراهَا الصحوَ معقودُ

ودعى في نهاية نصه خاطب الجمال بقصدها ووضْعِ عصا ترحاله فيها، مؤكدا على أن العيش في سواها شظف لأنها تبقى الأجمل والأبهى مطلقا:

باللهِ خلِّ عصَا الترحالِ ناحيةً  ‍فالعيشُ فِي شظفِ الترحالِ تنكيدُ
أنتَ الملامُ إذا فارقتَ شاطئهَا   فمَا على الأرضِ إلا فودُها فودُ

الشاعر مصطفى أبو الرز كانت له جولة مع حنينه لوطنه المسروق الذي صاغه – وكل مرتحل مجبور- شاعرا. يقول أبو الرز في تعويذته لشاعر فلسطيني:

ما زلتَ ترتكبُ الأمانِي حينَ ترتحلُ الفصولُ

سوَى الخريفِ

عَرِيَت حقولُ البرتقالِ منَ الرحيقْ

حبستْ ينابيعُ الجليلِ دموعَها

وتسمَّرتْ تلكَ العيونُ علَى الطريقْ

والخيلُ مسرجةٌ مكبكةٌ توشوشُ بالصهيلْ

والصمتُ يجترُّ الأناشيدُ التي تهتزُّ عشقًا للخليلِ وللجليلْ

 

ويمعن الشاعر الفلسطيني في غوايتة عبر نص “مسافر” يؤكد فيه حقيقة الأقدار المتتالية التي تتلقفه والعذابات التي تحملها له تلك الأقدار وأماله الخضراء التي تشعل همته لمواجهة آلامه؛ تلك التي يهزمها حينا؛ لتهزمه حينا آخر وتستحث سؤاله إذ:

يعودُ للنفسِ في همٍّ يعاتبُها  ‍  ما السرُّ يا نفسُ؟ هلْ في الأمرِ منْ عبَرِ؟
فمَا تركتُ طريقا كانَ يوصِلني  ‍ ومَا استكنتُ ولا استسلمتُ في عمرِي
ولا ركنتُ لنومٍ ظلَّ يحبسنِي  ‍ سلِي الليالِيَ عنْ سهدِي وعنْ سهرِي

ولأن الوطن “هو البوتقة التي تصهرنا جميعا” كما عبر الشاعر سعيد سفر، فقد طاب له أن يبدأ جولته بنص (وطن الحب)، وفيه كشف للمتسائل عن مكانة وطنه والعزة التي تجلببه بكونه “نغم عذب وبشرى لنبي”. يقول الشاعر سفر:

أيَّها السائلُ عنْ أمجادِنا  ‍ عنْ أمانِينا ومَا فِي الكتبِ
نحنُ قومٌ شاءتْ الأقدارُ أنْ  ‍ نرتقِي المجدَ بأقوَى سببِ
منذُ أنْ طافَ علَى هذا الثرَى    سيدُ الكونينِ عالِي الرتبِ

وختم جولته الأولى بنص لأبي الأحرار الإمام الحسين عليه السلام؛ وجه فيه أسئلته الحيرى للحسين:

منْ هزَّ تلكَ النخيلاتِ التِّي بسقتْ  ‍ فاساقطَ الحزنُ والحرمانُ منتظمَا
منْ حطَّم الكأسَ فِي كفيكَ ما رَويَت  ‍  منهُ الشفاهُ وذابتْ فِي الهجيرِ ظمَا
يا أكرمَ الناسِ عنوانًا ومنتسبًا  ‍ برئتُ منْ كلِّ منْ أغرَى بكَ الألمَا

في الجولة الثانية، وحيث لا يزال الوطن متسيدا النصوص بثيمته ألقى السيد العوامي نصا في جزيرة تاروت أشار الأستاذ ياسر لاعتمادها في مادة الكفايات اللغوية التي يدرِّسها للمرحلة الثانوية. وقد أتبع أبو الرز نص العوامي بنص آخر في تاروت أشار فيه تحريض نص العوامي له على الالقاء وتحريض تاروت له على الكتابة لما ذكرته بوطنه الذي نأى عنه مجبرا إذ يقول مخاطبا تاروت:

خلَّفتِ يا تاروتُ طيفًا ملهمًا  ‍  أيقظتِ في الإحساسِ شوقَ مهاجرِ
فإذا رآكِ رأى حبيبةَ قلبهِ  ‍ولقدْ نأى عنهَا برؤيةِ صابرِ
فيكِ اخضرارُ ربوعهَا وربيعِها  ‍ وبهِ يؤرقهُ حنينُ مغادرِ

ولأنَّ ذكر الوطن لا زال طيفًا يؤرق الشاعر الفلسطيني فقد أخذ الحضور معه لقرية (بيت ريما) النائمة بين الأشجار في أحضان الزيتون قبل أن تهجم عليها جارتها الأفعى في ظل غياب الحارس. يقول أبو الرز:

لكنَّ الزيتونَ الأخضرَ لا يُنسَى

والزعترَ أيضًا لا ينسَى

وجذورٌ تُشربُ في الأعماقِ

تتعمقُ يومًا يومًا

تتعملقُ جرحًا جرحًا

تظمأ حينًا

تشربُ حينًا ماءَ الصبرِ

وتشربُ حينًا حلمَ الفجرِ

وتروَى منْ ظلِّ الأغصانْ

 

ثم انتقل الشاعر لمشهد آخر وصف فيه معاناة ثمانية آباء دفعتهم المسؤولية للموت عند حاجز (ترقوميا) في أحد أيام ابريل 2001.

قال الشاعر في نص (رغيف الخبز):

كانُوا ثمانيَة

وعندَ الحاجزِ الملعونِ شيطانٌ تسربلَ بالحديدْ

وقفُوا فأغمضَ عينَه الشيطانُ

ساروا منْ جديدْ

لكنَّ خلفهموُ شياطينًا وبحرًا منْ عداءْ

وتساقطَ الحقدُ المعتقُ في صدورِ الأشقياءْ

وتسربلَ الصبحُ الحزينُ

بلونِ بحرٍ منْ دماءْ

 

الشاعر سعيد سفر استأذن الحضور ليأخذهم من أحضان تاروت التي تغنى بها الشاعران العوامي وأبو الرز إلى أحضان مسقط رأسه الباحة عبر نص (الزمن الجميل) وفيه قال:

أوَّاهُ يا تلكَ الليالِي البارداتِ

وخيالَ أمِّي وهْيَ تحكِي قصةَ السبعِ البناتْ

فننامُ نحلمُ بالبناتِ

وبالغدِ الآتِي

وبعضِ الأمنياتْ

 

في الجولة الأخيرة كان للعوامي بوح في (يقظان)/ حفيد السيد مصطفى جمال الدين رحمه الله؛ الذي انجبته أمه في رفحة بعيد نزوح كثير من العراقيين على إثر الأحداث الدامية في الخامس عشر من شهر شعبان عام 1991م ضمن قصة محزنة.

يقول السيد العوامي في نص يقظان الذي تفاعل معه العديد من الشعرا شعرا:

فتَى الرَّملِ أنشدنِي أفدِّيكَ منشدَا  ‍  مناغاتُه دمعٌ وضحكاتُه ندبُ
أمَا لكَ فِي حضنِ الفراتينِ فسحةٌ  ‍  تمدُّ الخطَى فيهَا علَى الظلِّ أو تحبُو
فقدْ كانَ عهدِي بالعراقِ سخيةً  ‍  ذراهُ وكفُّ الراتعينَ بهِ رطبُ

وختم العوامي جولته بنص غزلي حاول فيه انتشال الحضور من معاناتهم بمعاناة (يقظان). وفي نصه يسأل معشوقته:

ماذا لديكِ أموجتَا فرحٍ  ‍  تتقاسمانِ أريكتَا سهدِ؟
أمْ صبوتانِ همَا تبرجتَا  ‍  فِي مقلتيَّ بغيرِ مَا وعدِ؟
فأقامتَا بينِي وبينهَما  ‍  جسرينِ منْ لهبٍ ومنْ وردِ

الشاعر مصطفى أبو الرز ألقى نص (عود بلا وتر) استنطق فيه صمت العاشق لينطق في خاتمة النص بقوله:

وينطقُ الصمتُ روضِي جفّ منْ زمنٍ  ‍  وهلْ سيخضرُّ روضٌ ما بهِ شجرُ؟
أيرسلُ الآهَ إلا منْ بهِ ألمٌ  ‍  فكيفَ يهزجُ عودٌ ما لهُ وترُ

وختم جولته بنص (قدر) في السيد عدنان العوامي، كان قد ألقاه في حفل تكريمه قبل أعوام.

أما الشاعر سعيد سفر فقد ألقى في الجولة الأخيرة أربعة نصوص تدور في فلك واحد هي (المكالمة الأخيرة، سأهرب منك، من أين تأتين، أنتَ قاسٍ)

قال في هذا النص الأخير:

أرأيتَ الأرضَ إنْ بللها ماءُ السماءِ

كيفَ تغدُو

والسواقِي دبَّ فِي أعراقِها ماءُ الأملْ

كيفَ تبدُو

رائعٌ أنتَ إذا ما قلتَ لِي

أنتِ أحلَى

فكأنَّ الكونَ فِي برديَّ حلْ

تنتشِي كلُّ الخلايَا فِي دمِي

 

في ختام الأمسية قدم مديرها الشاعر الغريب شكره للشعراء مختتما كما بدأ بمقطوعة شعرية تحدث فيها عن سجن اللغة الوحيدة وحياة اللغات المتعددة، تلك التي يتنفسها الشعراء؛ نافيا العيب عن تكرارهم الجميل الملهم إذ شبهه بتكرار الصلاة فقال:

هذي الصلاة تكررت حركاتها   لكن بها تتجدد النفحات

 

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

التغطية الإعلامية

 

المحاضرة الكاملة:   

 

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد