الدكتورة هالة الدوسري تستعرض قوانين الأحوال الشخصية

4٬617

إستضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف ضمن برنامجه للموسم الثقافي الثاني عشر الدكتورة هالة بنت مبارك الدوسري في ندوة حملت عنوان “قوانين الأحوال الشخصية والمرأة في العالم العربي”، حضرها حشد كبير من المهتمين. وعرض في بداية الندوة فلما حقوقيا تثقيفيا قصيرا حول مفاهيم وأسس حقوق الإنسان، وذلك ضمن إهتمام المنتدى بنشر ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع. وأدارت الندوة الكاتبة عالية آل فريد التي افتتحتها بكلمة أكدت من خلالها على أهمية الأسرة وأنها الخلية الأساسية في بناء المجتمع، وأن لها الحق في التمتع بحماية المجتمع والدولة، مضيفة أن المرأة السعودية حققت في السنوات الأخيرة منجزات في طريقها للقضاء على أشكال التمييز الواقع عليها تماشيا مع الإتفاقيات والمواثيق الدولية، إلا أن أمامها مسؤولية كبيرة في سبيل الحصول على حقوقها كاملة في قضايا الأحوال الشخصية وقانين الأسرة كالزواج والنفقة والميراث وكل ما هو مرتبط بالأسرة.

بعدها بدأت ضيفة الندوة الدكتورة هالة الدوسري وهي ناشطة في مجال تمكين المرأة والحماية من العنف الأسري، ومرشحة لدرجة الدكتوراه في الأبحاث الصحية مع تخصص دقيق في الوبائيات في كلية العلوم الصحية جامعة أولد دومينيون.، كما أنها عضوة في الأكاديمية الصحية الأمريكية وجمعية الصحة العامة الأمريكية، وحاصلة على درجة الماجستير في الكيمياء الطبية والأحياء الجزيئية من كلية العلوم الطبية والتكنولوجية بجامعة الملك عبد العزيز، وهي أيضا كاتبة رأي في مواقع متعددة كجريدة الحياة السعودية، الجارديان البريطانية، والجزيرة الإنجليزية.

في بداية الندوة قدمت الدكتورة الدوسري نبذة تاريخية عن مقاصد قوانين الأسرة الإسلامية التي تعنى بوضع ضوابط العلاقات داخل الأسرة بواسطة مصادر تشريع إسلامية، وتشمل عادة كل يتعلق بالزواج والطلاق والولاية على الأطفال وحضانتهم وكيفية توزيع الموارد والمواريث وما يتعلق بها. وأشارت إلى أن الاختلاف والتنوّع يظهر جليا في مدارس الفقه الإسلامي اليوم لتعدد عوامل نشأتها وتطورها تاريخيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا.

وبينت الدكتورة الدوسري أن الحركات النسوية الحقوقية إهتمت بقوانين الأحوال الشخصية في العالم الإسلامي وتكييفها بما يضمن رعاية مصالح المرأة في الأسرة منذ المائة عام السابقة تقريبا، وذلك بهدف تمكين النساء بصورة تمنحهن القدرة على تطوير قدراتهن كفتيات والاستفادة الحرّة من الموارد والفرص والقدرة التامّة على تقرير المصير عبر تحقيق العدل والمساواة بين الزوج والزوجة في الأسرة، وذلك بوضع القوانين والسياسات التي تجعل العائلة مصدرا للأمان والنمو الشخصي والدعم لكافة أفرادها، وأن يكون الزواج علاقة يسودها الاحترام والمودة والشراكة في صناعة القرار، وأن يكون للرجل وللمرأة الحق في تقرير واختيار الشريك ونفس الحقوق في فسخ عقد الزواج و حله، وان يكون لهما نفس الحقوق في حيازة الممتلكات و الإشراف عليها وإدارتها والتمتع بها والتصرف فيها ووراثتها ضمانا للأمن الاقتصادي لكافة أفراد العائلة، وأن يكون للزوجة كما الزوج نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بأطفالهما.

ولخصت المحاضرة مشكلات أنظمة الأحوال الشخصية المتّبعة في الدول الإسلامية إما في نصوصها أو إجراءاتها، فتقومالنصوص والأحكام على تصورات فقهية عتيقة عن أدوار الزوج أو الزوجة تتنافى في معظمها مع مباديء العدالة والمساواة في الأسرة الحديثة، فلا تضع معظم القوانين ضمانات أو قيود ملائمة مقابل الصلاحيات والسلطات التي تمنح بموجب عقود الزواج أو الولاية للرجل على مصير المرأة والأطفال، مما يخلّ بحقوق أفراد الأسرة في حالات غياب أو إهمال أو تسلّط الرجل. وأوضحت أن إجراءات التقاضي تعجز عن توفير بيئة قانونية ومتكاملة للسيدات لضمان إجراءات تقاضي ميسّرة وواضحة وتفعيل الأحكام الصادرة في مدد زمنية مقبولة. وبينت ضيفة الندوة أن تحديث قوانين الأسرة وتطويرها بما يخدم مصالح أفرادها هو إجراء ضروري لضمان حماية النساء من إجراءات القمع والعضل ومنحهن حقا مساويا في تقرير المصير لحقوق الأزواج في إطار الشريعة الإسلامية وبما يتفق مع مقاصد الإسلام الكبرى في حفظ النفس والمال و الكرامة الإنسانية.

كما استعرضت الدوسري القوانين المعمول بها في الدول الإسلامية حيث تنوّع مصادر التشريع وتنظيماتها في الأحوال الشخصية، ففي دول الخليج التي وضعت الشريعة كمصدر أساسي للتشريع في نظامها الأساسي أو دستورها كالسعودية وعمان واليمن يتم العمل بالفقه التقليدي وعلى الأخص المدرسة الحنبلية في الفقه، ولم يتم تدوين الأحكام كأنظمة معمول بها سوى في العام 1986م في الكويت وتبعتها بعض دول الخليج فيما عدا السعودية وعمان في الألفية الثانية.

أما جول تطوير الأحكام وتعديلها، فقد بدأ منذ العام 1951م بتشكيل لجنة راشد في باكستان للنظر في حق تعدد الزوجات وتقنينه قانونيا بنجاح، كما شهدت الخمسينات ايضا إصدار القانون السوري للأحوال الشخصية الذي اشترط قدرة الزوج المالية للتعدد، والقانون التونسي الذي منع التعدد مطلقا باجتهاد يضعه سببا لعدم العدالة، وبدأت المغرب بتقنين التعدد وقتها وربطه بعدم حدوث ضرر للزوجات حتى تم إقرار المدونة المغربية في 2004م والتي وضعت ضوابط قضائية للتعدد، في خطوة مشابهة أيضا لموقف القانون الماليزي من التعدد. وبينما تظهر هذه الاختلافات بين أنظمة الأحوال الشخصية عبر البلدان الإسلامية، إلا أن الأنظمة بشكل عام تشترك في تهميشها للمرأة وباتخاذها سياقا دينيا يبرر هذا التهميش، ومع ابتعاد النساء في العالم الإسلامي بشكل عام عن أماكن القوة فإن الاستماع لاحتياجاتهن وإدماجهن في صياغة القوانين وتطويرها لازال غير ممكنا.

وتحدثت الدكتورة الدوسري حول الحراك النسائي في مجال الأحوال الشخصية أنه على محدوديته قد أنتج تحسّنا في بعض قوانين الأحوال الشخصية عبر عدة وسائل، منها استخدام الحشد الشعبي وعرض صور الظلم الاجتماعي الناتج عن تطبيق قوانين مجحفة، فأبرزت الناشطات في إيران التناقض بين الدعوة إلى العدالة الاجتماعية التي دفعت ثمنها الأرامل حياة أزواجهن وبين أوضاعهن المؤلمة بعد رحيل أزواجهن، وفي ماليزيا عملت منظمة “أخوات في الإسلام” على عرض قصص العنف الزوجي وفشل القوانين في توفير النفقة والرعاية للزوجات في ظروف الضرر، وفي البحرين عرضت الناشطات صورا من الظلم الواقع عليهن بسبب عدم وجود تقنين للأحوال الشخصية، وتمّ العمل في تركيا على بناء التحالفات على نطاق واسع لتعديل توزيع الممتلكات بين الزوجين في العام 2001م ليصبح مناصفة بينهما، وكذلك صنع التحالفات السياسية و المدنية في المجتمع المغربي و التي أدّت لإقرار المدونة في العام 2004م، كما جمعت الناشطات في سوريا 15000 توقيعا لتعديل حضانة الطفل في القانون السوري في العام 2003م.

وأوضحت المحاضرة في ختام كلمتها أن العمل المدني المؤسس والناجح ربما يكون غير متاحا في البيئة الخليجية بسبب المركزية والقيود على الجمعيات المدنية والمحاذير ضد التجمع وحرية التعبير، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي واستخدام رسائل مبتكرة لتعكس احتياجات النساء هي من أهم العوامل لخلق حشد شعبي ناجح، ومن المهم أن يكون العمل في تعديل التشريعات وتطويرها منبثقا من نفس الإطار الذي يتم عبره مقاومة وتبرير تهميش النساء في قوانين الأحوال الشخصية وهو الإطار الديني، فعبر الاجتهاد وفقه التخير والتلفيق واستنباط الأحكام الدينية بما يخدم مستجدات الحياة الحديثة ويدعم حقوق الأفراد في الأسرة بالتساوي، وعلى الأخص بواسطة فقيهات نساء، وعبر الترويج لنظام قانوني يستثمر الآراء الفقهية بلا تخصيص لمدراس بعينها وبهدف تحقيق المصلحة العامة يمكن صياغة التعديلات المتماشية مع مقاصد الشريعة ومع احتياجات المرأة،. وأوضحت كذلك أنه من المهم معرفة أن تحقيق التغير في البنى القانونية حتى مع توفر المرونة الاجتماعية والدعم المدني هو عمل مطوّل قد لا تثمر نتائجه إلا بعد جهد ووقت طويل، و لكنه يبقى العمل الأهم و الأقوى تأثيرا في حماية مصالح النساء في الأنظمة التقليدية.

وتخلل الأمسية العديد من المشاركات، فتساءل الكاتب علي الشريمي عن مدى وجود عمل حقوقي منظم في هذا المجال، وخاصة مع تراجع مشاركة المرأة حتى في الوصول للمجالس التشريعية كما في البحرين أو الكويت، وردت الدكتورة الدوسري قائلة بأنه على الرغم وجود بعض القوانين المساندة، إلا أنه لا يوجد حراك حقوقي فعال، فلازالت المرأة لحدّ كبير غائبة، ولا يوجد إهتمام حقيقي بحقوق المرأة، وذلك بسبب سيادة نظرة تقليدية حول المرأة ووجود اختلافات بين أطراف المجتمع.

أما الكاتب زكي أبو السعود فتحدث عن ان العقلية المسيطرة الآن لا تسمح بالانطلاق إلى مكان آخر وجديد، ونحن نسال أيضا لماذا لا توجد مجموعة قوانين حدثة متكاملة ومنسجمة، فهناك أمور بها قوانين وأخرى بلا قوانين، مما يجعل المجتمع معاقا، وينبغي فصل السلطات واختيار الخيار المدني الذي يتناسب مع مجتمعنا لأنه هو الحل في حصول المرأة على حقوقها.
وقال جعفر النصر ان مجتمعنا تحكمه سلطة دينية، مقترحا البدء بحملة تثقيفية مستمرة تستغل جميع الوسائل الإعلامية المتاحة والغير الرسمية. وتساءل المهندس نبيه البراهيم عن الخطوات العملية التي يجب عملها حيال قانون الأحوال الشخصية، مقترحا البدء بصياغة مسودة أولية في هذا المجال.

وفي الختام تحدث راعي المنتدى المهندس جعفر الشايب، شاكرا لدكتورة هالة الدوسري على حضورها، مؤكدا أن قوانين الأحوال الشخصية تأتي في مرحلة متأخرة بعد حصول المرأة على مستوى معين من الحقوق والحريات، ثم يأتي قانون الأحوال الشخصية ليعزز هذه الحقوق، وحتى في دول الخليج فالبحرين مثلا كان يناقش قانون الأحوال الشخصية منذ ثلاث سنوات فقط رغم اننا نعلم ما وصلت إليه المرأة البحرينية من موقعية متقدمة في الحريات الشخصية والمشاركة.

وتخلل الندوة أيضا معرض فني تصويري للناقد أثير السادة بعنوان “حكايا الطفولة”، وتحدث معرفا بالمعرض قائلا أنه جزء من مشروع يدعو لمقاربة المكان، وهي خلاصة تجوال في قرى ومدن القطيف، محاولا ان يختص في جزء معين هي حياة الطفولة، مؤكدا ان حضور الصورة بدأ متزامنا مع كل حدث، وأن ما يجري الآن هو بمثابة الثورة الثانية للصورة وهي التصوير الرقمي، بعد الثورة الأولى التي ساهمت في جعل آلات ووسائل التصوير متاحة للجميع وهو ما أدى لأن يصبح أصحاب الصنعة في توثيق واستثمار ما أنتجه العامة في مجال التصوير، وأيضا صارت للجميع ذاكرة ثانية من خلال الصور.

 

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

التغطية الإعلامية

 

المحاضرة الكاملة:   

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد