المثقف والإصلاح..المجتمع المدني أنموذجا

3٬751

استضاف منتدى الثلاثاء بالقطيف مساء الثلاثاء29/يناير/2008م، الموافق 20/محرم/1429هـ  رئيس مركز ساس الوطني لتنمية القوى البشرية الدكتور محمد بن صنيتان متحدثا عن (المثقف والإصلاح الوطني، المجتمع المدني أنموذجًا)، وقد أدار الندوة الأستاذ أمين التاروتي فعرف الحضور بالضيف وهو لواء متقاعد، حاصل على بكالوريوس علوم قوى الأمن الداخلي من كلية الملك فهد الأمنية، وآخر في الاقتصاد والإدارة من جامعة الملك عبد العزيز، وحاصل على الماجستير في علم الاجتماع من جامعة سنت جون في نيويورك، وعلى درجة الدكتوراه في الاجتماع السياسي من جامعة تونس الأولى، عضو جمعية الإدارة في المملكة، وهو مؤسس مركز ساس الوطني، له حضور في مختلف القنوات المحلية والعربية، كما أن له الكثير من الأبحاث والدراسات منها جدلية الصراع بين الخليج والجوار، متواليات النفط من منظور مختلف وغيرها.

بدأ الضيف حديثه بتعريف الثقافة المتفق عليها في الأدبيات الإنسانية على أنها جملة من الأنماط والقيم والقواعد والأعراف والخطط التي تبدع وتنظم صقل الدلالات العقلية والروحية والحسية، ثم عرف المثقف الذي يراه يمثل كل من يهتم بالشأن العام من أجل الإصلاح والتغيير حين يجعل نفسه أداة من أدواته.

بعد ذلك، انتقل إلى تفصيل وظيفة المثقف ووصفها بأنها وظيفة تسييرية شاملة للمجتمع ككل، وأنها لا يمكن أن تؤدي دورها دون تحقق استقلالية المثقف التي تدفعه لمواجهة التحديات الخارجية التي تحاول الإحاطة بمجتمعه بوعي وإدراك ينفخ روح الثقة في قيادته السياسية لتحوله إلى مخزون فكري يروي شرايين الدولة لتحقيق التنمية المطلوبة شرطا من شروط الديمقراطية، مؤكدا ذلك بخوف المفكرين والمثقفين في المجتمعات غير الديمقراطية التي تطغى فيها الثقافة الشعبوية الموروثة أو الوصاية على الدين واحتكار خصوصياته التي غالبا ما تستمد من عادت المجتمع وتقاليد بدلا من نصوصه المقدسة، الأمر الذي يحوله إلى مجتمع تناقضات وليس مجتمع متوازن قائم على الانجازات؛ مشيرا إلى أن هذا الحال هو سبب خوف المثقف السعودي لافتراضه تداعي همة  المجتمع عن إحداث تغييرات جذرية في ثقافته الاجتماعية والسلوكية، فلا يعود قادرا على مواكبة التطورات العالمية مما يجعله عالة تستهلك دون عطاء، عاجز عن إقامة مجتمع مدني رغم تشجيع الثقافة الإسلامية له.

وعن صور ونماذج مجتمع أهلي في فترات سابقة في المملكة تحدث المحاضر عن  ملتقيات الأعيان ومجالس العلماء ونقابات المهن والأشراف ومؤسسات الأوقاف وزوايا الصوفية التي عملت مجتمعة دون أن تقصد العمل تحت هذا الشعار، وإنما دفعتها الرغبة للعمل بروح القلب الواحد، وكالقبيلة المتماهية في الديمقراطية في الوقت الراهن رغم تنوعها وتكافئها وندية بعضها للبعض الآخر.

ورأى الضيف أنه لابد أن تتشكل مؤسسات مجتمع مدني حديثة، ترسم جميعها هدفا محددا مشتركا تحقق من خلاله مصالح وطنية عامة تتجاوز الذات وتختزل الانتماء التقليدي بالانتماء للوطن باعتبار عملها التطوعي الذي يمكن أن يتمثل في الإغاثة والتأهيل والتطوير والرعاية والتضامن اجتماعيا وسياسيا ليحصد مصلحة عامة للوطن ومواطنيه بل والمقيمين على ترابه.

بعد ذلك، أثار الدكتور الضيف بعض التساؤلات ذات العلاقة حول آليات الوحدة الوطنية وسبل تقويتها، وبدائل الانتماء القبلي والمذهبي والإقليمي، ودور الوعي الاجتماعي في تعزيز المواطنة، وغيرها مما تساهم الإجابة عليه في تفعيل الإصلاح الداخلي، وأكد أن الإجابة عليها هي مسؤولية المثقفين والرموز التي تتصدى للشأن العام، والذين يعرفون حق المعرفة أن المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات هي الجواب الشافي على كل الأسئلة التي تثار في هذا الصدد لانبثاقها من اعتبار إدارة الاختلاف في الآراء وتباين المصالح وتفترض شراكة عملية في اتخاذ القرارات الجماعية دون وصاية أحد على أحد، مما يرتقي بعلاقات المجتمع بعيدا عن الحساسيات والانقسامات ويتحول إلى مجتمع كل لا جزء، مجتمع يعي حقيقة أن المواطنة ممارسة وسلوك يدفع المواطن آليا للانتماء وليست شعارات جامدة.

وحذر الدكتور محمد من أن البديل عن الوطنية جاهز متمثل في الانتماءات التقليدية التي تلبس المواطن شكلا من الاغتراب في مختلف حالاته بدءا من الغلو في الدين وانتهاء بالانخراط في التنظيمات والخلايا الإرهابية، مما يحوله إلى عبء ثقيل على الوطن بدلا من أن يكون فاعلا فيه.

وأخيرا، دعا المحاضر المجتمع السعودي ليكون على كلمة سواء في مختلف أطيافه السياسية والثقافية والعقدية مؤكدا عليه العمل على معالجة قضاياه بدءا من الداخل برغبة صادقة تنبثق بها رؤية إستراتيجية يشترك الجميع على صياغتها بما يحدد كل الوطن ليتضافر في تنفيذها محققا استقرارا وتوازنا اجتماعيا قاعدته الشراكة الوطنية.

بعد ذلك، فتح باب المشاركة للحضور الذين أثاروا بأسئلتهم ومداخلاتهم العديد من القضايا ذات العلاقة، وانصب أهمها حول أمكن سبل المثقف لممارسة عمله الإصلاحي في ظل الضغوطات التي تواجهه، مع إمكانية خلق ثقافة احترام المثقف نفسه بتفكيك بعض القضايا العالقة في الفكر السعودي الذي يحتاج لاستيعاب طبيعة الاختلاف الثقافي الناتج من اختلاف الطبيعة الجغرافي المتسعة المدى.

كما طرحت قضية نشر الوعي القانوني في فجوة سيادته مقابل الأمية القانونية لدى المسؤولين والمواطنين، وعن دور الدولة المفترض في حفظ هوية المثقف عن التدجين بالولاء السياسي لها في مقابل مصلحة الأمة.

وأشار الدكتور مرزوق بن تنباك إلى أهمية تجاوز الرابط القبلي ضمن الإطار الوطني حيث تتجلى أشكال الوحدة الوطنية بعيدة عن الانتماءات التقليدية التجزيئية، مشيرا إلى دور المثقف كمسؤول عن توجيه الرأي العام في هذا المجال، وأكد الأستاذ نجيب الخنيزي على ذات الفكرة داعيا إلى المكاشفة والوضوح في تشخيص الواقع الثقافي، وعدم التهرب من مواجهته.

وتحدث راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب شاكرا الضيف على مشاركته باعتباره مسؤولا خدم طويلا في سلك حساس في الدولة، واهتم بالثقافة والانفتاح على المجتمع، وقضى فترة طويلة من عمله في المنطقة الشرقية، وتحدث بأريحية وشفافية، وأشار الشايب إلى تميز اللقاء بالحيوية والتفاعل اللذان عبرا عن تطلعات واهتمامات المواطنين تجاه الإصلاح والوحدة الوطنية وتجاوز معوقاتها.

من جانبه، كان الدكتور الضيف حاضرا لجميع المداخلات، أجاب فأوفى، وإذ انتهى، قدم مدير اللقاء الأستاذ أمين التاروتي شكره للضيف والحضور متمنيا للجميع أطيب الأوقات وأنفعها.

 

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

المحاضرة الكاملة:

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد